فصل: بَابُ التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ:

الْأَصْلُ فِي الْعِيدَيْنِ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: قَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى»
وَاشْتَبَهَ الْمَذْهَبُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَمْ سُنَّةٌ فَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهَا سُنَّةٌ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْعِيدَيْنِ: يَجْتَمِعَانِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأُولَى مِنْهُمَا سُنَّةٌ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: لَا يُصَلَّى التَّطَوُّعُ فِي الْجَمَاعَةِ مَا خَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ وَكُسُوفَ الشَّمْسِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَكِنَّهَا مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ أَخْذُهَا هُدًى وَتَرْكُهَا ضَلَالَةٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخُرُوجُ فِي الْعِيدَيْنِ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ دُونَ أَهْلِ الْقُرَى وَالسَّوَادِ لِمَا رَوَيْنَا «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» وَالْمُرَادُ بِالتَّشْرِيقِ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «لَا ذَبْحَ إلَّا بَعْدَ التَّشْرِيقِ»
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إلَّا الْخُطْبَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ الْعِيدِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ فِي الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَفِي الْعِيدِ بَعْدَهَا لِأَنَّهَا خُطْبَةُ تَذْكِيرٍ وَتَعْلِيمٍ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ كَالْخُطْبَةِ بِعَرَفَاتٍ وَالْخُطْبَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَنْزِلَةِ شَطْرِ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ فِي الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ مَرْوَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَطَبَ فِي الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَخْرَجْت الْمِنْبَرَ يَا مَرْوَانُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَطَبْت قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَخْطُبْ هُوَ قَبْلَهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَرْوَانُ: ذَاكَ شَيْءٌ قَدْ تُرِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» يَعْنِي أَضْعَفَ أَفْعَالِ الْإِيمَانِ فَقَدْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ حَتَّى أَحْدَثَ بَنُو أُمَيَّةَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي خُطْبَتِهِمْ يَتَكَلَّمُونَ بِمَا لَا يَحِلُّ فَكَانَ النَّاسُ لَا يَجْلِسُونَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِسَمَاعِهَا فَأَحْدَثُوهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لِيَسْمَعَهَا النَّاسُ وَالْخُطْبَةُ فِي الْعِيدَيْنِ كَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَيَسْتَمِعُ لَهَا الْقَوْمُ وَيُنْصِتُوا لَهُ لِأَنَّهُ يَعِظُهُمْ فَإِنَّمَا يَنْفَعُ وَعْظُهُ إذَا اسْتَمَعُوا (قَالَ): وَلَيْسَ فِي الْعِيدَيْنِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ هَكَذَا جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ (قَالَ): وَإِنْ خَطَبَ أَوَّلًا ثُمَّ صَلَّى أَجْزَأَهُمْ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَصْلًا (قَالَ) وَالتَّكْبِيرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ تِسْعٌ خَمْسٌ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِيهَا تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيهَا وَاَلَّذِي بَيَّنَّا قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الْفِطْرِ يُكَبِّرُ إحْدَى عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سِتًّا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَالزَّوَائِدُ ثَمَانُ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الْأَضْحَى خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَتَا الرُّكُوعِ وَتَكْبِيرَتَانِ زَائِدَتَانِ وَاحِدَةٌ فِي الْأُولَى وَالْأُخْرَى فِي الثَّانِيَةِ وَمِنْ مَذْهَبِهِ الْبُدَاءَةُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رُوِيَ عَنْهُ كَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهِيَ شَاذَّةٌ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَعَشْرٌ زَوَائِدُ خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَتِسْعُ زَوَائِدَ خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رَجَعَ إلَى هَذَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ عَمَلَ النَّاسُ الْيَوْمَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَمَّا انْتَقَلَتْ إلَى بَنِي الْعَبَّاسِ أَمَرُوا النَّاسَ بِالْعَمَلِ فِي التَّكْبِيرَاتِ بِقَوْلِ جَدِّهِمْ وَمِنْ مَذْهَبِهِ الْبُدَاءَةُ بِالتَّكْبِيرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ أَتَاهُمْ فَقَالَ: هَذَا الْعِيدُ فَكَيْفَ تَأْمُرُونَنِي أَنْ أَفْعَلَ فَقَالُوا لِابْنِ مَسْعُودٍ: عَلِّمْهُ فَعَلَّمَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَوَافَقُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ: أَرْبَعٌ كَأَرْبَعِ الْجَنَائِزِ فَلَا يُشْتَبَهُ عَلَيْكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ وَحَبَسَ إبْهَامَهُ» فَفِيهِ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَإِشَارَةٌ وَاسْتِدْلَالٌ وَتَأْكِيدٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَاتِ يُؤْتَى بِهَا عَقِبَ ذِكْرٍ هُوَ فَرْضٌ فَفِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يُؤْتَى بِهَا عَقِيبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَفِي الثَّانِيَةِ عَقِيبَ الْقِرَاءَةِ وَلِأَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ مَا أَمْكَنَ فَفِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَفِي الثَّانِيَةِ يَجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْفَصْلِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ فِي الْكِتَابِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِقَدْرِ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَأْخُذُ بِأَيِّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ شَاءَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا أَخَذَ بِمَا رَآهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْآخِرُ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ فَلَا وَجْهَ لِإِثْبَاتِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (قَالَ): وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي سَائِرِ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ إلَّا فِي تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ وَحَكَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ».
(وَلَنَا) مَا رَوَيْنَا لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَفِيهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَلِأَنَّ هَذَا تَكْبِيرٌ يُؤْتَى بِهِ فِي قِيَامٍ مُسْتَوٍ فَتُرْفَعُ الْيَدُ فِيهِ كَتَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إعْلَامُ مَنْ لَا يَسْمَعُ بِخِلَافِ تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ يُؤْتَى بِهِمَا فِي حَالَةِ الِانْتِقَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى رَفْعِ الْيَدِ لِلْإِعْلَامِ (قَالَ): وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُصَلِّي وَحْدَهُ كَمَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَالصَّلَاةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مَا عُرِفَتْ قُرْبَةً إلَّا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا فَعَلَهَا إلَّا بِالْجَمَاعَةِ وَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَإِذَا فَاتَتْ فَلَيْسَ لَهَا خَلْفٌ لِأَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهَذَا لَيْسَ بِوَقْتٍ لِصَلَاةٍ وَاجِبَةٍ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ بِخِلَافِ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ لِأَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ وَقْتٌ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ وَلَكِنَّهُ إنْ أَحَبَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا كَصَلَاةِ الضُّحَى فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ لِحَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ الضُّحَى بِرَكْعَتَيْنِ» وَلِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَاظِبُ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي صَلَاةِ الضُّحَى» وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بِهَذَا الْيَوْمَ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «: مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِيدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِكُلِّ نَبْتٍ نَبَتَ وَبِكُلِّ وَرَقَةٍ حَسَنَةً»
(قَالَ) وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الْجَبَّانَةِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الْجَامِعِ وَخَرَجَ إلَى الْجَبَّانَةِ مَعَ خَمْسِينَ شَيْخًا يَمْشِي وَيَمْشُونَ وَيُكَبِّرُ وَيُكَبِّرُونَ وَلِأَنَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ نَظَرًا مِنْهُ لِلضُّعَفَاءِ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْخُرُوجِ لَا يَتْرُكُ الْخُرُوجَ إلَى الْجَبَّانَةِ وَمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شُهُودُهَا (قَالَ) فَإِنْ أَحْدَثَ الرَّجُلُ فِي الْجَبَّانَةِ فَخَافَ إنْ رَجَعَ إلَى الْمِصْرِ أَنْ تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْمَاءَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ غَيْرَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ هُنَا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا فِي جَبَّانَةِ الْكُوفَةِ لِأَنَّ الْمَاءَ بَعِيدٌ وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ مُحِيطٌ بِالْمُصَلَّى وَقَدْ قَالَ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْمَاءَ إلَّا أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَصَلَاةُ الْعِيدِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا إنْ فَاتَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى خَافَ الْفَوْتَ يَجُوزُ لَهُ أَدَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ (قَالَ) وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي أَحْدَثَ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاسِ أَنْ يُصَلُّوهَا دُونَهُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَرُبَّمَا تَزُولُ الشَّمْسُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ الْوُضُوءِ وَكَذَلِكَ إنْ أَحْدَثَ بَعْدَ مَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ (قَالَ): وَأَيُّ سُورَةٍ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ جَازَ وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} وَهَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فَإِنْ تَبَرَّكَ بِالِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فَحَسَنٌ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَّخِذَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ حَتْمًا فِي صَلَاةٍ لَا يَقْرَأُ فِيهَا غَيْرَهُ فَرُبَّمَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ تِلْكَ الصَّلَاةُ إلَّا بِقِرَاءَةِ تِلْكَ السُّورَةِ فَكَانَ هُوَ مُدْخِلًا فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»
(قَالَ) وَلَيْسَ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ صَلَاةٌ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ رَآهُ يَفْعَلُهُ (قَالَ): وَالْمَسْبُوقُ بِرَكْعَةٍ فِي الْعِيدِ إذَا قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ بَنَى عَلَى رَأْيِ نَفْسِهِ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ وَمَحَلِّهَا إذَا كَانَ رَأْيُهُ مُخَالِفًا لِرَأْيِ إمَامِهِ لِأَنَّهُ فِيمَا يَقْضِي كَالْمُنْفَرِدِ إنْ كَانَ يَرَى قَوْلَ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ وَبِهِ أَجَابَ فِي الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَفِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَقَالَ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ فَيَقْضِيهِ كَمَا فَاتَهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَوْ بَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ كَانَ مُوَالِيًا بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ فَإِنَّ فِي الرَّكْعَةِ الْمُؤَدَّاةِ مَعَ الْإِمَامِ كَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْقِرَاءَةِ وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَوْ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ كَانَ فِعْلُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَأَنْ يَفْعَلَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ كَانَ آتِيًا بِالتَّكْبِيرَاتِ عَقِيبَ ذِكْرٍ هُوَ فَرْضٌ جَامِعًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ وَهُوَ أَصْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا بَيَّنَّا (قَالَ): وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ خُرُوجٌ فِي الْعِيدَيْنِ وَقَدْ كَانَ يُرَخَّصُ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنِّي أَكْرَهُ ذَلِكَ يَعْنِي لِلشَّوَابِّ مِنْهُنَّ فَقَدْ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ وَنُهِينَ عَنْ الْخُرُوجِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ فَأَمَّا الْعَجَائِزُ فَيُرَخَّصُ لَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْجَمَاعَةِ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ وَالْعِيدَيْنِ وَلَا يُرَخَّصُ لَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمَعِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُرَخَّصُ لِلْعَجَائِزِ فِي حُضُورِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَفِي الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي خُرُوجِ الْعَجَائِزِ فِتْنَةٌ وَالنَّاسُ قَلَّ مَا يَرْغَبُونَ فِيهِنَّ وَقَدْ كُنَّ يَخْرُجْنَ إلَى الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدَاوِينَ الْمَرْضَى وَيَسْقِينَ الْمَاءَ وَيَطْبُخْنَ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي صَلَوَاتِ اللَّيْلِ تَخْرُجُ الْعَجُوزُ مُسْتَتِرَةً وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ تَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَظَرِ الرِّجَالِ إلَيْهَا بِخِلَافِ صَلَوَاتِ النَّهَارِ وَالْجُمُعَةُ تُؤَدَّى فِي الْمِصْرِ فَلِكَثْرَةِ الزِّحَامِ رُبَّمَا تُصْرَعُ وَتُصْدَمُ وَفِي ذَلِكَ فِتْنَةٌ فَإِنَّ الْعَجُوزَ إذَا كَانَ لَا يَشْتَهِيهَا شَابٌّ يَشْتَهِيهَا شَيْخٌ مِثْلُهَا وَرُبَّمَا يَحْمِلُ فَرْطُ الشَّبَقِ الشَّابَّ عَلَى أَنْ يَشْتَهِيَهَا وَيَقْصِدَ أَنْ يَصْدِمَهَا فَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدِ فَتُؤَدَّى فِي الْجَبَّانَةِ فَيُمْكِنُهَا أَنْ تَعْتَزِلَ نَاحِيَةً عَنْ الرِّجَالِ كَيْ لَا تُصْدَمَ.
ثُمَّ إذَا خَرَجْنَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُصَلِّينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخُرُوجِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «: لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلِيَخْرُجْنَ إذَا خَرَجْنَ تَفِلَاتٍ» أَيْ غَيْرِ مُتَطَيِّبَاتٍ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُصَلِّينَ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا خُرُوجُهُنَّ لِتَكْثِيرِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِيدَيْنِ حَتَّى ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي فَظَهَرَ أَنَّ خُرُوجَهُنَّ لِتَكْثِيرِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا (قَالَ): وَلِلْمَوْلَى مَنْعُ عَبْدِهِ مِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لِأَنَّ خِدْمَتَهُ حَقُّ مَوْلَاهُ وَفِي خُرُوجِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى فِي خِدْمَتِهِ وَإِضْرَارٌ بِهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ حَقِّ الْمَوْلَى.
وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا حَضَرَ مَعَ مَوْلَاهُ لِيَحْفَظَ دَابَّتَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يُخِلُّ بِحَقِّ مَوْلَاهُ فِي إمْسَاكِ دَابَّتِهِ (قَالَ) وَلَا يُخْرِجُ الْمِنْبَرَ فِي الْعِيدَيْنِ لِمَا رَوَيْنَا وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ فِي الْعِيدَيْنِ عَلَى نَاقَتِهِ» وَالنَّاسُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ إخْرَاجِ الْمِنْبَرِ وَلِهَذَا اتَّخَذُوا فِي الْمُصَلَّى مِنْبَرًا عَلَى حِدَةٍ مِنْ اللَّبِنِ وَالطِّينِ وَاتِّبَاعُ مَا اُشْتُهِرَ الْعَمَلُ بِهِ فِي النَّاسِ وَاجِبٌ.
(قَالَ) وَإِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ اتَّبَعَهُ الْمُؤْتَمُّ إلَّا أَنْ يُكَبِّرَ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُجْتَهِدٌ فَإِذَا حَصَلَ فِعْلُهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَجَبَ مُتَابَعَتُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَإِذَا كَبَّرَ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ فِعْلُهُ خَطَأً مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا مُتَابَعَةَ فِي الْخَطَأِ فَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يُتَابِعُهُ إلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً ثُمَّ يَسْكُتُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُتَابِعُهُ إلَى سِتَّ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً لِأَنَّ فِعْلَهُ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً زَوَائِدَ فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ صَارَتْ سِتَّ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً فَلِاحْتِمَالِ هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يَتَيَقَّنُ بِخَطَئِهِ فَيُتَابِعُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ سَمِعَ التَّكْبِيرَ مِنْ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ يُكَبِّرُ بِتَكْبِيرِ الْمُنَادِي فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ لِجَوَازِ أَنَّ هَذَا الْخَطَأَ مِنْ الْمُنَادِي فَلَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا كَانَ الْمَتْرُوكُ مَا أَتَى بِهِ الْإِمَامُ وَالْمَأْتِيُّ بِهِ مَا أَخْطَأَ بِهِ الْمُنَادِي فَلِهَذَا لَا يَدَعُ شَيْئًا مِنْهَا وَقَدْ قَالُوا: إذَا كَانَ يُكَبِّرُ بِتَكْبِيرِ الْمُنَادِي يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ لِجَوَازِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ كَانَ خَطَأً مِنْ الْمُنَادِي وَإِنَّمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ لِلِافْتِتَاحِ الْآنَ ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَأْتِي بِثَنَاءِ الِافْتِتَاحِ عَقِيبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ الزَّوَائِدِ إلَّا فِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ يَقُولُ: يَأْتِي بِالثَّنَاءِ بَعْدَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فَأَمَّا التَّعَوُّذُ فَيَأْتِي بِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَقِيبَ ثَنَاءِ الِافْتِتَاحِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ الزَّوَائِدِ حِينَ يُرِيدُ الْقِرَاءَةَ لِأَنَّهَا لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ وَبَيَانُ هَذَا فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.بَابُ التَّكْبِيرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ:

اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ مِنْ الصَّحَابَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} وَهِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِيهَا مَشْرُوعًا إلَّا مَا قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: أَفْضَلُ مَا قُلْت وَقَالَتْ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي يَوْمَ عَرَفَةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ» وَلِأَنَّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ لِإِظْهَارِ فَضِيلَةِ وَقْتِ الْحَجِّ وَمُعْظَمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْوُقُوفُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ مَشْرُوعًا فِي وَقْتِهِ وَلِهَذَا قَالَ مَكْحُولٌ: الْبُدَاءَةُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ يُكَبِّرُ فِي الْعَصْرِ ثُمَّ يَقْطَعُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ لَمَّا كَانَتْ فِي يَوْمٍ يُؤَدِّي فِيهِ رُكْنَ الْحَجِّ فَالْقَطْعُ مِثْلُهُ يَكُونُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ الَّذِي يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنُ الْحَجِّ مِنْ الطَّوَافِ وَلِأَنَّ رَفْعَ الْأَصْوَاتِ بِالتَّكْبِيرِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ خِلَافُ الْمَعْهُودِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْيَقِينِ وَالْيَقِينُ فِيمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ كِبَارُ الصَّحَابَةِ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُكَبِّرُ فِي الْعَصْرِ ثُمَّ يَقْطَعُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الْأُخْرَى إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} وَهِيَ إمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَوْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ فِيهَا مَشْرُوعًا وَلِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْثَارِ الذِّكْرِ وَلَأَنْ يُكَبِّرَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَتْرُكَ مَا عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ الشُّبَّانُ مِنْ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِهَا مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَقَضَاءُ الْمَنَاسِكِ وَقْتَ الضُّحَى مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّكْبِيرُ عَقِيبَهُ وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ تَبَعٌ لِلْحَاجِّ ثُمَّ الْحَاجُّ يَقْطَعُونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيَأْخُذُونَ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَذَلِكَ وَقْتَ الضَّحْوَةِ فَعَلَى النَّاسِ أَنْ يُكَبِّرُوا عَقِيبَ أَوَّلِ صَلَاةٍ مُؤَدَّاةٍ بَعْدَ هَذَا الْوَقْتِ وَهِيَ صَلَاةُ الظُّهْرِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَقَالَ زَيْدٌ: إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَالتَّكْبِيرُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ وَلِأَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ فَهُوَ أَجْمَعُ وَهَذَا التَّكْبِيرُ عَلَى الرِّجَالِ الْمُقِيمِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ فِي الْجَمَاعَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كُلُّ مَنْ يُصَلِّي مَكْتُوبَةً فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا فِي الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي الْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ بِمَنْزِلَةِ التَّلْبِيَةِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ وَفِي التَّلْبِيَةِ لَا تُرَاعَى هَذِهِ الشُّرُوطُ فَكَذَلِكَ فِي التَّكْبِيرَاتِ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ احْتَجَّ بِمَا رَوَيْنَا «لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» قَالَ الْخَلِيلُ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: التَّشْرِيقُ فِي اللُّغَةِ التَّكْبِيرُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى صَلَاةِ الْعِيدِ فَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجُمُعَةِ فِي اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ فِيهِ فَكَذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ الْحُرِّيَّةَ كَمَا لَا تُشْتَرَطُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ (قَالَ): وَإِنْ صَلَّى النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ وَالْمُسَافِرِ خَلْفَ الْمُقِيمِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ التَّكْبِيرُ تَبَعًا كَمَا يَتَأَدَّى بِهِمْ فَرْضُ الْجُمُعَةِ تَبَعًا وَفِي الْمُسَافِرِينَ إذَا صَلَّوْا فِي الْمِصْرِ جَمَاعَةً رِوَايَتَانِ: رِوَايَةُ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ التَّكْبِيرُ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ التَّكْبِيرُ لِأَنَّ السَّفَرَ مُغَيِّرٌ لِلْفَرْضِ مُسْقِطٌ لِلتَّكْبِيرِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي تَغَيُّرِ الْفَرْضِ بَيْنَ أَنْ يُصَلُّوا فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ فَكَذَلِكَ فِي التَّكْبِيرِ (قَالَ): وَلَا تَكْبِيرَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ بِصَلَاتِهِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَيْهِ التَّكْبِيرُ وَقَاسَ التَّكْبِيرَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ فِي أَوَّلِهَا.
(وَلَنَا) أَنَّ الْأَذَانَ أَوْجَبُ مِنْ التَّكْبِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَهَذَا فِي أَيَّامٍ مَخْصُوصَةٍ ثُمَّ الْأَذَانُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي التَّطَوُّعَاتِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتُ وَكَذَلِكَ لَا يُكَبِّرُ عَقِيبَ الْوِتْرِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الْوِتْرَ لَا يُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَكَذَلِكَ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا يُكَبِّرُونَ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فَأَمَّا عَقِيبَ الْجُمُعَةِ فَيُكَبِّرُونَ لِأَنَّهَا فَرْضٌ مَكْتُوبَةٌ (قَالَ) وَيَبْدَأُ الْإِمَامُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ بِسُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مُؤَدًّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا يُسَلِّمُ بَعْدَهُ وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَالتَّكْبِيرُ يُؤَدَّى فِي فَوْرِ الصَّلَاةِ لَا فِي حُرْمَتِهَا حَتَّى لَا يُسَلِّمَ بَعْدَهُ وَلَا يَصِحَّ اقْتِدَاءُ الْمُقْتَدِي بِهِ فِي حَالِ التَّكْبِيرِ وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرُ مُؤَدَّاةٍ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي فَوْرِهَا حَتَّى لَا تَخْتَصَّ بِحَالَةِ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَبْدَأُ بِمَا هُوَ مُؤَدًّى فِي حُرْمَتِهَا ثُمَّ بِمَا هُوَ مُؤَدًّى فِي فَوْرِهَا ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ وَالْمَسْبُوقُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ مُؤَدًّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَلَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرِ وَالتَّلْبِيَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَدَّاةٍ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَعَلَى هَذَا إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ الْقَوْمُ لِأَنَّهُ مُؤَدًّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَكَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ لَا يَأْتُونَ بِهِ دُونَهُ (قَالَ): وَإِذَا نَسِيَ التَّكْبِيرَ أَوْ التَّلْبِيَةَ أَوْ تَرَاكَهُمَا مُتَأَوِّلًا لَمْ يَتْرُكْ الْقَوْمُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَدَّاةٍ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَإِذَا نَسِيَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَ حَتَّى انْصَرَفَ فَإِنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ عَادَ وَكَبَّرَ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَ أَوْ تَكَلَّمَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا أَوْ أَحْدَثَ عَامِدًا سَقَطَ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا يَقْطَعُ فَوْرَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا لَوْ حَصَلَ فِي خِلَالِهَا كَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَأَمَّا الْخُرُوجُ وَالْكَلَامُ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ فَيَقْطَعُ فَوْرَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَمْنَعَ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا لَوْ حَصَلَ فِي خِلَالِهَا فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَإِنْ شَاءَ ذَهَبَ فَتَوَضَّأَ وَرَجَعَ فَكَبَّرَ وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ مِنْ غَيْرِ تَطَهُّرٍ لِأَنَّ سَبْقَ الْحَدَثِ لَا يَقْطَعُ فَوْرَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ مِنْ الْبِنَاءِ التَّكْبِيرُ غَيْرُ مُؤَدًّى فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّهَارَةُ كَالْأَذَانِ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الطَّهَارَةِ كَانَ خُرُوجُهُ قَاطِعًا لِفَوْرِ الصَّلَاةِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَهَا فَيُكَبِّرَ لِلْحَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.